الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009


مسرح ((السينمسرح)) – نحو نظرية لمسرح جديد
عباس عبد الغني
أكاديمي ومسرحي عراقيabbas_aliraqi2002@yahoo.com


بعد التكون المجدي لأرهاصات الكون تتلاقح سمات التنوير الأبداعي في اروقة السلام لتشرع بلونها السماوي الذي سيكون لمحة من لمحات المسرح المبشر بلون جديد في اسلوب جديد ,انه الكيروكراف الذي التمس له المخرج بيرقاً جديداً ليدمجه مع الدراما وبعده تلج حلقة الجمال لتمتطي سلماً من سلالم المسرح مسجلةً لها اسماً جديداً واسلوباً اخر لنطلق عليه (السينمسرح) .

في البيان الثاني بعد البيان الأول الذي صدر العام الماضي والذي شرحت عبره التجربة السينمسرحية التي اشتققت اسمها من دمجي للمسرح والسينما لتكون سينمسرحا أي الرقص المدموج بالدراما والسينما وبالبيان الأول الذي اصدرته كان عبر تجربتي في مسرحية (الجمجمة) التي تسلطت برؤيتها الجسدية البصرية مزاحمة الخشبة التي تراقصت مع الممثل في سينمسرحية التمست لها سمة من سمات التجديد الشمولي .فالأسلوب الجديد في التمثيل يحتم على الممثل احساساً عالياً بالموسيقى التي تكون بمثابة السكربت او النص المسرحي الذي يخطط له الخطوط البيانية التي يسير عليها في اكثر من مشهد يوجه فيه عناية المتلقين الى اهمية الجسد البشري الذي يحمل بين دفتيه الهم الغريب الذي حمله عبر عصور متتالية من الآلام التي تموضعت مع سمفونية التم الكبير .
في (البيان الأول) أشرت الى نقطة مهمة جدا وهي ان الممثل يحتم عليه اداءه احساساً عالياً بالموسيقى وذلك بان يكون على دراية وعلم بالجانب الذهني الذي يخلق الأشارات المهمة للممثل الذي يرغب بأن يسلط على الخشبة الجانب الأستقبالي للأفكار المطروحة عبر نص يحمل تفجيرات ثورية فقد سُئل (بيتر بروك ) مرةً لما لا تختار نصا لـ(أجاثا كريستي) تخرجه؟؟ فقال:-( (ان نصاً لـ (اجاثا ) لا يثير عندي ذلك الأحساس الذي يثيره نص لـشكسبير, فنصوص شكسبير تفجر عندي الأندفاعات الثورية للمخيلة)).
انطلق البيان الثاني ليكون ايقونة لممثل ارهقته النصوص التقليدية بل بالأحرى الطريقة التقليدية بالأخراج التي تطلب من الممثل ان يتحرك على طبيعته فأن حالف المخرج الحظ وكان ممثله جيداً نجح العرض والا فانه يولول على حظه العاثر .
في البيان الثاني (للسينمسرح) على الممثل ان يكون ماريونيت المخرج فحركته تحسب عبر الزمن المنشطر الى شطرين زمن اني لحظوي وزمن اسطوري وموسيقي مع الأخذ بنظر الأعتبار ان يكون الممثل ذا ذهن وقاد منتبه لكل لحظة موسيقية فيتحرك عبرها على وفق مخطط ماريونيتي مرسوم من قبل المخرج الذي اسس للعرض بعد ان استنفذ بقراءته النص مرات عدة ,ليحول الحوارات المكتوبة الى تراجيديا بصرية وحسية في الوقت نفسه,هذه الحركة المبرمجة مع الموسيقى تُحرك الممثل وتجعله يرقص بدافعية تخلق منه الصورة التي تمكن المتلقي من ان يلمح بوضوح الجوانب التي تؤطرها التراجيديا.
مسرح–(للسينمسرح)- احتوى على اتجاه رؤيوي لم يكن سائداً في مسقط رأس البيان وهو مكان محافظ كالموصل وبذلك بدا غرائبياً ان تطرح فكرة عرض بهكذا اسلوب حتى ان البعض اتهم العرض بالمغامرة الكبيرة وهو في الحقيقة انه اتهام ممتع وجميل.
لقد وضح البيان الثاني الإسلوب السينمسرحي بإمكانية أن يقحم الممثل مخاوفه وظنونه واستنتاجاته من الماضي الى الحاضر ليلملمها في رؤية جديدة واسلوب حديث انتقى من ماضيه الجمال, ومن حاضره الجلال ليكتسب بذلك توافقات رؤيوية وطدت عملية الفهم للنخبة .
في البيان الأول تناولت مسالة النص ومدى امكانية تحكم المخرج به وهنا بالبيان الثاني ساتناول مسالة التمثيل ومدى سيطرة المخرج على الجانب التعبوي للممثل ليخلق منه الوحدة المتكاملة من وحدات تكون العرض بمعية الموسيقى البطل الأوحد في العرض .وبهذا فأن مسرح السينمسرح يعتمد على فرضيات مهمة :-
1:- الفرضية الأولى:- الجسد:- على الجسد في السينمسرح أن يتمتع بكامل لياقته وحيويته وان يكون على درجة عالية من البلاستيكية المرنة.
2:- الفرضية الثانية:-أن يلعب الجسد مع فضاء المسرح وتحت لواء الموسيقى التي توحي له بايحات الحركة المتعددة الرؤى لعبة الهارموني الحركي المتوحد مع الرؤية الإخراجية للعرض.
3:الفرضية الثالثة:- أن يتمتع المخرج بحس إيمائي بمبادئ اللعب المسرحي .
4:-الفرضية الرابعة :- أن يُحيل المخرج جميع السرد أو اغلبه إلى حركة وفق الفرضية 1, 2.
إن الممثل يحمل معه الفكرة التي يتلقاها من قراءته للنص وبعدها يفكر في امكانية التحرك على الخشبة وهو يحمل الفكرة معه هذا في السينمسرح
فالسينمسرح في البيان الثاني الذي سيكون (كيرودراما) السينمسرح الجديد .هنا على الممثل ان يلتزم بالمهمات التالية:-
1:- ان يحمل المرونة العقلية والجسدية وهاتان الصفتان تمكنانه من استقبال الأشارات الجسدية التي حولت الأفكار الى رؤى بصرية.
2:- ان يكون حاملا للمعرفة والتي تجعل الوعي لديه متكامل وبالتالي تمكنه من فهم الحقائق أو اكتساب المعلومة عن طريق التجربة أو من خلال تأمل النفس ، فالمعرفة مرتبطة بالبديهة و اكتشاف المجهول و تطوير الذات .
3:- ان يعي ان للزمن جانباً مهماً في التعبير عن الأفكار المعروضة على الخشبة وبالتالي يؤقلم ساعته البايولوجية على نمط لم يعتد عليه في تجربته السابقة.
وبإئتلاف النقاط الثلاث تتكون لدى الممثل المرجعية الكيرودرامية التي تؤهله للولوج في السينمسرح الجديد.
السينمسرح-(الكيرودراما)- تحتم على المخرج ان يضع بحسبانه عدم الأنصياع لقانون الهدم والبناء البروكي حيث يوكل المخرج لنفسه مسألة ان يهدم ويبني مشاهد تم تأسيسها بل تتكون المشاهد في ذهنه بعد ان يكون قد قرأ الموسيقى قراءة سماعية اجهضت عنده كل الأفكار الأسطورية المخزونة في لاوعيه الجمعي ليؤقلم ما ائتلف من روحه التي تعالج المشهد المخزون من النص مع ما لديه من ادوات مهمة متمثلة بالماريونيت المتمثل بالممثل ليبدا بتحريكه على الخشبة التي يقسمها وفق بقع ممنتجه لحالات عدة تجتمع في فكر اوحد هو الفكرة الجمالية المستنبطة من النص الذي سيؤوله المخرج على الخشبة .
ان (السينمسرح) يحتم على الممثل والمتلقي ان يرتديا رداءً مختلفاً فالممثل هو المرسل والمتلقي هو المستقبل لذا على المرسل ان يعي اهمية دوره الشعوري تجاه نهضوية ايصال الأفكار عبر تبادل المعلومات والأفكار بينه وبين المتلقي أو أكثر وهو عملية ديناميكية تتضمن ثلاثة عناصر هي :-
1- المرسل
2- الرسالة
3:- المتلقي.

فالتواصل مع الآخر ليس علما ، وليس مجموعة من الإجراءات الدقيقة و المتفرقة، إلا أن هناك مبادئ ومواضيع متماسكة ومحددة، والسينمسرح تجعل الممثل يستعمل مهاراته وقدراته في تحقيق اكبر قدر من الإرسال الأيجابي.
الكيرودراما((السينمسرح)) تضم في دفتها الجوانب السينمائية المتمثلة بالمشاهد السينمائية التي تخدم الإسلوب القانوني للسينمسرح وبالتالي يتحتم على الممثل ان يكون في وضع متوقف اثناء دخول السينما في المشهد المسرحي ويتحرك بعد انتهاء العرض السينمائي مع الأخذ بنظر الأعتبار ان يخدم العرض السينمائي الرؤية المسرحية للأحداث التي تنطلق على الخشبة,وبالتالي تخلق( الكيرودراما) إحالات التمثيل الى جوانب منشطرة فقد يظهر الممثل على الخشبة وفي الوقت نفسه على الشاشة ليخدم حالة معينة كما حدث في مشهد اغتيال الملك في (انتقام هام..لت).
فـ(السينمسرح) تؤطر الرؤى المسرحية بديكور سينمائي له فضاءه اللامحدود تجعل من وعي المخرج اثير واعي وواسع المساحة فغرق (اوفيليا) في (انتقام هام..لت) تم تصويره سينمائياً ليخدم الرؤية البصرية للعرض بدل ان يلقى على لسان راوي ينقل الحدث سردياً فلا تجعل من المستلم- المتلقي- في تجاوب تام مع الدراما لكن التجاوب الأيجابي يكون بصرياً وهنا تجعل الكيرودراما المتلقي يستلم الحدث بحاستين سمعية وبصرية .
تمنح (الكيرودراما) الممثل جانبا اكثر ثراءً في الحركة عبر تجلي السينمسرح لحركته بتنيسق وإيقاع وتوازن وحيوية. وقد صاغ المخرج في (انتقام هام..لت) تمارينه بعد دراسة عميقة للمدارس المسرحية العريقة في العالم بدءاً من المسرح الإغريقي ومسرح شكسبير والمسرح الإسباني وصولاً إلى المسارح اليابانية وتقاليد الكوميديا ديل آرتي وذلك من أجل تقوية مهارات ممثليه الجسدية والإيقاعية.
وبما ان حركة الممثل في الفضاء المسرحي تحدد معنى الدراما فأن( الكيرودراما) تجعل الممثل يوقظ الروح الأرتجالية المدروسة ويطلقها في مسار محسوس مستغنياً عن الواقع و مكثفاً خطابه المسرحي بجانب تعبيري مقدس.
ان مسرح (السينمسرح) لايحتاج الى كلام بل يستغني عن ذلك بلغة اخرى هي لغة الجسدالتي تُفَعِل الذاكرة البصرية عند الممثل والمتلقي على السواء ليخلق بجسده ديناميكية منغمسة بالموسيقى والإضاءة للوصول الى نتيجة مفادها الوصول الى الحقيقة السرمدية للتعبير الجسدي الذي ينتقل من حدث الى اخر ومن حالة الى ثانية في تتابع صوري مبرمج على الموسيقى والفكرة نابعاً من تكاملية الحدث والزمن والفضاء ,فـ(الكيرودراما) تحول الممثل الى شخصية اخرى كما حدث مع المشهد السينمائي الذي ظهر فيه الملك والملكة ليؤكد على تكنيك ابداعي ابتعد عن الأسلوب التقليدي ليرجع الى ذاكرته البصرية التي تكون المخزون الفكري لعمله الذي منحه اياه (السينمسرح).فالجسد في (الكيرودراما) خزين معرفي ينتقل عبر مفاهيم عدة لتحول من جسد الأنسان الى جسد الشخصية التي يقدمها الممثل لتلتحم ذاكرته البصرية بذاكرة الشخصية فتجعل من التشكيل البصري للشخصية بعدها حالة تعبيرية منفردة للتشخيص .
في حضرة (الكيرودراما) يتحول الممثل الى اسير في الفضاء ينتظر ليعبر عن نفسه بدلالة بصرية تتخذ الجسد سلاحاً لها, فتحول (الكيرودراما )-السينمسرح – الجو العام الى سديم منتخب من كوكب غير معروف يتجاوز العقل لينتقل الى اللامعقول تتحكم فيها الموسيقى والتناقض في الطرح فوجود الصوت في العرض رغم اعتماد المخرج الصمت في مجمل العرض مع وجود الحركة والسكون في الآن نفسه ,الظلام والضوء ,كما ان (الكيرودراما) تعتمد اللجوء الى المسرح الفقير في الديكور لأيمانه بضرورة ان يكون الجسد هو المتسيد على الأحداث.
ان من ضرورات مسرح السينمسرح(الكيرودراما) ان يملاءه الحركة والسكون معاً تتحرك بتحرك الموسيقى وتسكن بأمرها فجسد الممثل كآلة موسيقة تعبر عن دلالات عديدة في الكون لتعبر عن المشكل الأنساني منذ الأزل الى الآن.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق